منتدي حياتي

الرئيسيةخطب اسلاميةالخطب المنبرية – الخطب المنبرية المكتوبة الجديدة 2014

الخطب المنبرية – الخطب المنبرية المكتوبة الجديدة 2014

كتب : admin
نشر منذ : 6 سنوات
في تاريخ مايو 05,2018
الخطب المنبرية –  الخطب المنبرية المكتوبة الجديدة 2014

تنزيل او للتحميل من رابط مباشر اضغط بالاسفل download free 2017 or 2018 تحميل افلام جديدة press the bootem الخطب المنبرية – الخطب المنبرية المكتوبة الجديدة 2014الخطب المنبرية – الخطب المنبرية المكتوبة الجديدة 2014الخطب المنبرية – الخطب المنبرية المكتوبة الجديدة 2014

حسن الظن بالله

عناصر الخطبة :

1- معنى حسن الظن بالله . 2- حسن الظن بالله يتحقق في بعض المقامات .3- الأدلة على حسن الظن بالله من القرآن والسنة.4- لماذا نحسن الظن بالله ؟ 5- صور من حسن الظن بالله. 6- المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في حسن الظّنّ بالله. 7- الآثار الواردة عن السلف في حسن الظن بالله. 8- سوء الظن بالله. 9- من صور سوء الظن بالله.

1- معنى حسن الظن بالله:

الظن لغة : الاعتقاد الراجح مع استعمال النقيض، ويستعمل في اليقين والشك.[1]

وقال ابن سيده : الظن شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان إنما هو يقين تدبر فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم.[2]

ومن هنا يتبين أن معنى الظن يدل على الشك والعلم غير المتيقن، كما أنه يدل على اليقين والعلم المتيقن، وهذا المعنى هو المراد في موضوعنا.[3]

ومعنى حسن الظن بالله :

حسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به لأنه من صميم التوحيد وواجباته ، حسن الظن بالله هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى ، وتحسين الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد

2- وحسن الظن بالله حقيقته أن يظن العبد بالله خيرا ورحمة وإحسانا في معاملته ومكافئته ومجازاته أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة وهذا يتحقق في مقامات:

الأول : إذا دعا ربه أن يقبل ربه دعائه. كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ».[4] الثاني : إذا تقرب إلى الله بعمل صالح أن يتقبل الله عمله ويرفعه. قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]

الثالث: أن يقبل توبته إذا أذنب وتاب فأناب. وقد تضافرت النصوص بهذه الحقيقة. قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104]

الرابع: أن يوقن بوعد الله ونعيمه الذي أعده الله لعباده الصالحين المستقيمين على طاعته وشرعه.

وقد تواترت النصوص بذلك. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } [الزلزلة: 7]

الخامس: أن يوقن بحسن لقاء الله وستره وتجاوزه عنه وهو في سياق موته كما في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ».[5]

السادس: عند نزول البلاء وضيق الحال. قال ابن القيم رحمه الله : " ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده، ويقبل توبته.وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، وهذا موجود في الشاهد، فإن العبد الآبق الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبدا، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له.كما قال الحسن البصري: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل.وكيف يكون محسن الظن بربه من هو شارد عنه، حال مرتحل في مساخطه وما يغضبه متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فأضاعه، وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه؟ وكيف يحسن الظن بربه من بارزه بالمحاربة، وعادى أولياءه، ووالى أعداءه".[6]

3- الأدلة على حسن الظن بالله :

· أولا من القران :

أ – قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين). قال سفيان الثوري: أحسنوا بالله الظن.[7]

ب- قال تعالى: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46]

ج- قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة: 249]

· ثانيا من السنة:

أ- عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ».[8]

قال ابن حجر : " أي: قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به ".[9]

قال النووي: قال العلماء معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه.[10]

قال النووي " قال القاضي قيل معناه بالغفران له إذا استغفر والقبول إذا تاب والإجابة إذا دعا والكفاية إذا طلب الكفاية وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو " .[11]

ب- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي".[12]

ج- و عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا».[13]

د-عن حَيَّانِ أَبُي النَّضْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ: وَاحِدَةٌ، أَسْأَلُكَ عَنْهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ، أَيْ حَسَنٌ قَالَ وَاثِلَةُ: أَبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ ".[14]

● أحاديث في حسن الظن معنىً :

أ- عن أبي هريرة قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا – فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ – وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ – فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ – أَوْ أَصَبْتُ – آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ – أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ – آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ".[15]

ب – عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».[16]

4- لماذا نحسن الظن بالله ؟

1- لأن فيه امتثالا واستجابة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم " يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " [ الأنفال : 24 ]

2- له ارتباط وثيق بنواحي عقدية متعددة ومن ذلك مثلا :

أ – التوكل على الله تعالى والثقة به ، قال بن القيم رحمه الله : " الدرجة الخامسة: [ أي : من درجات التوكل] حسن الظن بالله عز وجل.فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له. يكون توكلك عليه. ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله.

والتحقيق: أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه. إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به، ولا التوكل على من لا ترجوه. [17]

ب – الاستعانة بالله والاعتصام به واللجوء إليه سبحانه ، قال بعض الصالحين " استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها ؛ فإن ذلك أقرب إلى الفرج "

ج – الخوف منه سبحانه وتعالى ، يقول أبو سليمان الداراني رحمه الله " من حَسُنَ ظنه بالله عز وجل ثم لا يخاف الله فهو مخدوع " .[18]

3- لأن العبد من خلاله يرجو رحمة الله ورجائه ويخاف غضبه وعقابه ، يقول ابن القيم رحمه الله " فإن الراجي ليس معارضا ولا معترضا، بل راغبا راهبا مؤملا لفضل ربه حسن الظن به، متعلق الأمل ببره وجوده، عابدا له بأسمائه: المحسن، البر، المعطي، الحليم، الغفور، الجواد، الوهاب، الرزاق. والله سبحانه وتعالى يحب من عبده أن يرجوه. ولذلك كان عند رجاء العبد له وظنه به".[19]

4- حثت عليه النصوص النبوية ودعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " " أنا عند ظن عبدي بي " " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " .

5- معرفة واقع الناس وحالهم مع حسن الظن بالله ، يقول بن القيم رحمه الله: " فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ بَلْ كُلُّهُمْ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ السَّوْءِ، فَإِنَّ غَالِبَ بَنِي آدَمَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَبْخُوسُ الْحَقِّ نَاقِصُ الْحَظِّ، وَأَنّهُ يَسْتَحِقُّ فَوْقَ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ: ظَلَمَنِي رَبِّي وَمَنَعَنِي مَا أَسْتَحِقُّهُ، وَنَفْسُهُ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ بِلِسَانِهِ يُنْكِرُهُ، وَلَا يَتَجَاسَرُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ، وَمَنْ فَتَّشَ نَفْسَهُ وَتَغَلْغَلَ فِي مَعْرِفَةِ دَفَائِنِهَا وَطَوَايَاهَا رَأَى ذَلِكَ فِيهَا كَامِنًا كُمُونَ النَّارِ فِي الزِّنَادِ، فَاقْدَحْ زِنَادَ مَنْ شِئْتَ يُنْبِئْكَ شَرَارُهُ عَمَّا فِي زِنَادِهِ، وَلَوْ فَتَّشْتَ مَنْ فَتَّشْتَهُ لَرَأَيْتَ عِنْدَهُ تَعَتُّبًا عَلَى الْقَدَرِ وَمَلَامَةً لَهُ وَاقْتِرَاحًا عَلَيْهِ خِلَافَ مَا جَرَى بِهِ، وَأَنّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفَتِّشْ نَفْسَكَ هَلْ أَنْتَ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ.

فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عظيمَةٍ … وَإِلَّا فَإِنِّي لَا إِخَالُكُ نَاجِيًا

فَلْيَعْتَنِ اللَّبِيبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِيَسْتَغْفِرْهُ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَلْيَظُنَّ السَّوءَ بِنَفْسِهِ الَّتِي هِي مَأْوَى كُلَّ سُوءٍ، وَمَنْبَعُ كُلَّ شَرٍّ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَهِيَ أَوْلَى بِظَنِّ السَّوءِ مِنْ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَعْدَلِ الْعَادِلِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ وَالْحَمْدُ التَّامُّ وَالْحِكْمَةُ التَّامُّةُ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ سَوْءٍ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، فَذَاتُهُ لَهَا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَصِفَاتُهُ كَذَلِكَ، وَأَفْعَالُهُ كَذَلِكَ، كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى.

فَلَا تَظُنَّنَّ بِرَبِّكَ ظَنَّ سَوْءٍ … فَإِنَّ اللَّهَ أَوْلَى بِالْجَمِيلِ " .[20]

6- لأن مَنْ أحسن الظن بربه عز وجل فأيقن صدق وعده وتمام أمره وما أخبر به من نصرة الدين والتمكين في الأرض للمؤمنين ، اجتهد في العمل لهذا الدين العظيم والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله بماله ونفسه .

7- أثره الإيجابي على نفس المؤمن في حياته وبعد مماته ، فمن أحسن الظن بربه وتوكل عليه حق توكله جعل الله له في كل أمره يسراً ومن كل كرب فرجاً ومخرجاً ، فاطمأن قلبه وانشرحت ونفسه وغمرته السعادة والرضى بقضاء الله وقدره وخضوعه لربه جلا وعلا .

8- المبادرة إلى طلب عفو الله ورحمته ورجائه ومغفرته ليطرق بعد ذلك العبد باب ربه منطرحاً بين يديه راجياً مغفرته تائبا من معصيته " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " [ رواه مسلم ] .

9- فيه النجاة والفوز بالجنان ورضى الرحمن " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " روى أبو بكر بن أبي الدنيا عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه عز وجل ".

5- صور من حسن الظن بالله : أ-التفاؤل بالأسماء والأحوال الحسنة من حسن الظن بالله والتشاؤم بالأسماء والأحوال السيئة من سوء الظن بالله ولذلك فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ».[21]

ب- ومن كان له صبيان صغار وليس له دنيا تكفيهم فلا يخف من المستقبل وليحسن الظن بربه ويوقن أن الله سيكفيهم رزقهم ويتكفل تربيتهم ويصونهم من الشرور إذا أصلح قصده وعمله وتعاهدهم بالدعاء فصلاح الوالد يعود على الولد بالصلاح والبركة واليمن كما جاء في قصة الولدين الذين ترك لهم أبوهم كنزا فتولاهما الله وحرسهما. قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ). وقال ابن كثير: "فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتقر عينه بهم، كما جاء في القرآن ووردت به السنة".[22]

ج- ومن حسن الظن أن ينفق المسلم ماله في سبيل الله ولا يخش القلة والفقر بل يوقن أن الله سيخلف عليه خيرا وينمي ماله ويبارك فيه فإذا كان العبد محسنا الظن بربه لم يخف الإقلال لأن الله تعالى يقول: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ). وفي صحيح البخاري: أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: (قال الله عز وجل ‏ ‏أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملأى لا ‏ ‏تغيضها ‏ ‏نفقة سحاء الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم ‏ ‏يغض ‏ ‏ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع). ومن خشي الإقلال فقد أساء الظن بربه.‏

ومن أعظم ما يعين المؤمن على حسن الظن بربه معرفته بواسع رحمة الله وكرمه وجوده وعظيم إحسانه بالخلق مهما أذنبوا وقصروا في طاعته كما في حديثَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي…. الحديث".[23]

· المعاصي وحسن الظن بالله، فبعض الناس حال لسانه :

وكثّر ما استطعـت من الخطايــا إذا كـان القـدوم علـى كريـم

قال ابن القيم رحمه الله " ولا ريب أن حسن الظن بالله إنما يكون مع الإحسان ، فإن المحسن حسن الظن بربه ، أنه يجازيه على إحسانه ، ولا يخلف وعده ، ويقبل توبته ، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه … وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن "

· وكيف يحسن الظن بمن يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب، وقد قال الله تعالى في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات، وهو السر من القول وَذَلِكُمُ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَردَاكُم فَأَصبَحتُم مِنَ الخَاسِرِينَ [فصلت:23].

· حسن الظن بالمؤمنين :حسن الظن خلق فريد وأمر حض عليه الإسلام ، وهو من أبرز أسباب التماسك الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ، حسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس وسلامة من أذى الخواطر المقلقة التي تفني الجسد ، وتهدم الروح ، وتطرد السعادة ، وتكدر العيش ، بفقده وتلاشيه تتقطع حبال القربى وتزرع بذور الشر وتلصق التهم والمفاسد بالمسلمين الأبرياء ، لذلك كان أصلاً من أصول أخلاق الإسلام ، وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف ، فإن هذا عين الكذب " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " [ رواه البخاري ] وقد نهى الرب جلا وعلا عباده المؤمنين من إساءة الظن بإخوانهم فقال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " وما ذاك إلا لأن الظن سيئة كبيرة موقعة لكثير من المنكرات العظيمة إذ هو ذريعة للتجسس ، كما أنه دافع إلى الوقوع في الغيبية المحرمة " ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا " فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتدوم بيننا المحبة والوئام ، وتصفوا القلوب والصدور ، وتزول الشحناء والبغضاء ، ورحم الله القائل: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

6- المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن الظّنّ)[24]:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ القَائِلَةُ، وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْنَا، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ، فَهُوَ هَذَا " قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.[25]

7- الآثار الواردة عن السلف :كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول " وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ , مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مِنْ شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُحْسِنَ بِاللَّهِ ظَنَّهُ , وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ , لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ ظَنَّهُ إِلَّا أَعْطَاهُ ذَلِكَ , فَإِنَّ كُلَّ الْخَيْرِ بِيَدِهِ "[26]

وكان سعيد بن جبير يقول : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَحُسْنَ الظَّنِّ بِكَ» مصنف ابن أبي شيبة (7/ 202)

عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، فَأَسَاءَ الْعَمَلَ»[27]

وقال الخطابي: إنما يحسن بالله الظن من حسن عمله فكأنه قال أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم بالله فإن من ساء عمله ساء ظنه؛ وقد يكون أيضاً حسن الظن بالله من ناحية الرجاء وتأميل العفو والله جواد كريم لا آخذنا الله بسوء أفعالنا ولا وكلنا إلى حسن أعمالنا برحمته. معالم السنن (1/ 301)

وعن عمار بن يوسف قال : رأيت حسن بن صالح في منامي فقلت : قد كنت متمنياً للقائك ؛ فماذا عندك فتخبرنا به ؟ فقال : أبشر! فلم أرَ مثل حسن الظن بالله عز وجل شيئاً "

قال القاضي أبو يعلى: إن الظن منه محظور ( وهو سوء الظن بالله ) والواجب حسن الظن بالله عز وجل.وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع.

وَقَالَ عمار بن سيف رَأَيْت الْحسن بن صَالح فِي منامى فَقلت قد كنت متمنيا للقائك فَمَاذَا عنْدك فتخبرنا بِهِ فَقَالَ أبشر فَإِنِّي لم أر مثل حسن الظَّن بِاللَّه شَيْئا.

8- سوء الظن بالله تعالى :قال ابن القيم رحمه الله في وصفه لحال هذا الصنف من الناس.[28]

ومن سوء الظن بالله أن يدع الداعي ربه كثيرا فلا يجاب له فيسيء الظن بربه وينقطع عن الدعاء ولو علم أن الله ربما منع عنه شرا في الدنيا أو ادخر له خيرا في الآخرة بدعائه لما تعجل في الظن. فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ". قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ: " يَقُولُ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي ".[29]

لقد ذم الله تعالى من أساء الظن به ، فأخبر عن المشركين أنهم يظنون به ظن السوء ، قال تعالى " ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا " [ الفتح : ] ووصف المنافقين بأنهم يظنون به غير الحق فقال تعالى " {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] قال الألوسي رحمه الله : أي ظن الأمر الفاسد المذموم وهو أن الله عز وجل لا ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقيل المراد به : ما يعم ذلك وسائر ظنونهم الفاسدة من الشرك وغيره ".[30]

9- صور من إساءة الظن بالله تعالى .

1- من قنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء .

2- من ظن به أن يترك خلقه سُدى ، معطلين عن الأمر والنهي ، ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملاً كالأنعام فقد ظن به ظن السوء .

3- من ظن أنه لا سمع له ولا بصر ، ولا علم له ولا إرادة ، وأنه لم يكلم أحداً من الخلق ولا يتكلم أبداً ، وأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائناً من خلقه أي بلا كيف وكما وصف الله به نفسه فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه .

4- من ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين ، فقد ظن به ظن السوء .

5- من ظن أن له ولداً أو شريكاً أو أن أحداً يشفع عنده بدون إذنه ، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه ، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيدعونهم ويحبونهم كحبه ويخافونهم كخوفه فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه .

6- من ظن بالله تعالى أن يخيب من تضرع إليه وسأله رغبة ورهبة واستعان به وتوكل عليه ولا يعطيه ما سأله ، فقد ظن به ظن السوء ، وظن به خلاف ما هو أهله .

ثانيا الخطب المنبرية مكتوبة للشيخ عبد الرحمن السديس

نتائج الإعراض عن الإسلام وآثاره السيئة [1]

:الخطبة الاولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه واتبع سنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعــد:

أيها المسلمون: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، فإن تقوى الله سبحانه جماع كل خير، وسياج من كل شر، واذكروا نعمة الله عليكم بهذا الدين، الذي اختاره الله ورضيه لكم، وفضَّله على جميع الأديان، ولأجله خلق خلقه، وأنزل كتبه، وأرسل رسله لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].

ومن تمام نعمته تعالى: أن جعله دين اليُسر والسماحة، لا حرج فيه ولا مشقة ولا عنت، لم يأمر أهله بما لا يستطيعون، ولم يكلفهم ما لا يطيقون، رفع عنهم الآثار والأغلال مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، أحلَّ الله فيه كل طيب نافع، وحرَّم كل خبيث ضار، رعى مصالح العباد في عاجل أمرهم وآجله، وقصد إلى حماية دينهم وأموالهم ونسائهم وأعراضهم وعقولهم، ودرأ المفاسد والشرور عنهم، جاء بما يحتاج إليه البشر في دينهم ودنياهم في شتى مجالاتهم، ومختلف نواحي حياتهم.

فهو منهج للحياة البشرية بكل مقوماتها، وقد اشتمل على العقيدة الصافية، والعبادة الخالصة، والمبادئ السامية، والأخلاق العالية، والنظم العادلة، والأسس الكاملة؛ ولذلك فالعالم البشري بأجمعه مفتقر إلى أن يأوي إلى حماه، ويتفيء وارف ظلاله، ويفيء إلى نهجه وعدله بعد أن سامتهم القوانين الوضعية والنظم البشرية سوء العذاب، وأذاقتهم من الويلات والنكبات ما يشهد به التاريخ في قديم الزمان وحديثه.

فالضلال والشقاء، والخوف والقلق والاضطراب وعدم الأمن على الأنفس والأموال والأعراض، كل ذلك وغيره من إفرازات البُعد عن شريعة الله والإعراض عنها.

إخوة العقيدة: لقد جاء الإسلام مواتياً بمتطلبات الأفراد والمجتمعات والدول، راعياً وحافظاً لحقوق الإنسان ومصالحه، ولم تعرف البشرية مطلقاً نظاماً ولا مبدأً أولى هذا الأمر عناية واهتماماً كما أولاه الإسلام، بل وما بلغت معشار ما جاء به، ولا يتأتى حفظ مصالح الإنسان ورعاية حقوقه، وجلب الخير له، ودرء الخطر عنه إلا في ظل الإسلام الحق، الذي جاء به رب العزة، وهو خالق الخلق وأدرى بمصالحهم، وأعلم بمنافعهم أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

أمة الإسلام: لقد جاء هذا الدين صالحاً لكل زمان ومكان، مسايراً لفِطَر البشر، مراعياً لتغيرات الحياة، مواكباً للتقدم والحضارة، متكفلاً بعلاج مشكلات الأمم الحربية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها؛ ولكن -ويا للأسف- زهد كثير من أهل الإسلام وأبنائه بتعاليمه وأحكامه وأخلاقه، وتلمسوا مناهجهم من غيره، وابتغوا الخير فيما سواه، وايم الله لقد قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ، وقد ضمن الله عزَّ وجلَّ لمن تبع هديه ولزم شرعه سعادة الدارين، وكتب الشقاء والذل والصغار على من أعرض وتكبر عنه…….

وإن المتأمل لأوضاع البشرية اليوم عامة، وواقع الأمة الإسلامية خاصة، يدرك أن ما أصابها من ذل وانقسام وفتن وفُرقة وخصام إنما مرده إلى إهمال أمر الله، والتقصير في تحكيم شريعة الله، وإن أعظم ما ابتُلي به المسلمون اليوم من تسلُّطِ أعدائهم عليهم من كل حدب وصوب، وتداعي الأمم على دينهم وأخلاقهم وأوطانهم، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها…….

فهذه اليهودية الماكرة تعيث فساداً في مقدسات المسلمين، وتقتل أبناءهم وتنتهك حرماتهم، وتتوسع في الاستيلاء على بلادهم.

وهذه الصليبية الحاقدة تشن حملاتها على أوطان المسلمين، وتسعى جاهدة في الكيد للإسلام ورسوله وكتابه وأهله، وتستغل أوضاع المسلمين السيئة للترويج لمنهجها المنحرف، ولا سيما في البلاد الفقيرة، والمجتمعات النائية المتضررة من القحط والجفاف والمجاعة أمام تقصير المسلمين وغفلتهم.

وهذه الشيوعية الملحدة تنشب مخالبها في أرض الإسلام، وتمعن في الكيد للإسلام وأهله، وإن ما تشهده أرض أفغانستان المسلمة من حرب ضروس، قُتِل فيها الأبرياء، ورُمِّلت النساء، ويُتِّم الأطفال، وهُدِّمت المساجد والبيوت، وشُرِّد الملايين من بلادهم بغير حق، لأكبر دليل على تمادي هذا المذهب الهدام في حرب الإسلام، والكيد لأهله، والطمع في استغلال أرضه، ومن هذا اليوم الجمعة يدخل الجهاد الإسلامي الأفغاني عامه السابع، بعد أن دارت رحى الحرب ست سنوات متوالية، بُلي فيها المسلمون بفوادح لا يعلمها إلا الله، في غفلة المسلمين وتقصيرهم، وإن واجب الأخوة الإسلامية والوحدة والتضامن بين المسلمين، أن يهب الجميع في كل مكان لنصرة إخوانهم، وشد عزمهم، وتقديم المساعدات المعنوية والمادية والمنهجية لهم.

وهذه الوثنية تزحف إلى بلاد الإسلام بطرق مغلفة، ووسائل منطوية، وهذا التحلل والانحراف والفساد الأخلاقي المركز يضرب أطنابه في أرض الإسلام، وينشر زخمه وقيحه بين المسلمين، ولا سيما في صفوف شبابهم ونسائهم.

فاتقوا الله -يا إخوة الإسلام- واعلموا أن الله غيور على دينه ومحارمه، شديد الانتقام ممن تكبر على شرعه، واستمرأ معصيته، وقد يحول النعم التي يُنعمها على عباده نقماً عليهم، كالأمطار -مثلاً- ليعتبر الغافل، ويتعظ المعرض فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2] وأفيقوا من رقدتكم، ولا ريب أن على علماء الإسلام وأهل الحل والعقد فيهم والدعاة إلى الله مسئولية تصحيح مسار الأمة، وتحقيق الوجهة السليمة لسفينتها.

نسأل الله أن يوفقهم لذلك ويعينهم عليه، حقق الله للأمة الإسلامية ما تصبو إليه من عزة ورفعة ونصر وكرامة، ووفقها للأخذ بطريق الخير والعدل والسلام، وهيأ لها من أمرها رشداً.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

:الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعــد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].

واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله.

اللهم ارضَ عن صحابته الكرام، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين, ودمر أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُذَل فيه أهل معصيتك، ويُؤْمر فيه بالمعروف، ويُنْهى فيه عن المنكر.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم مُنَّ عليهم بصلاح قادتهم وعلمائهم وشبابهم ونسائهم يا رب العالمين.

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذي كفروا السفلى.

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا حي يا قيوم.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، واعلِ به دينك، اللهم ارزقه البطانة الصالحة المخلصة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90].

فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْـلَمُ مَا تَصْنَعُونَ……

نعمة العقيدة الإسلامية

:الخطبة الاولى:

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، وصبر على ما أصابه في سبيل ذلك، صَلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله، وترسم خطاه إلى يوم الدين.

أما بعــد:

أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى واذكروا نعمة الله عليكم، واشكروه عليها؛ فبالشكر تدوم النعم.

عباد الله: إن أجل نعمة أنعم الله بها على الناس عامة، وعلى المؤمنين خاصة؛ نعمة الإسلام، فقد كان الناس قبله في ضلالٍ وجاهلية، وخرافة ووثنية، فقد سيطر عليهم الفساد في عقائدهم، وأفكارهم، وأخلاقهم، ومعاملاتهم، إلى أن أذن الله بانبثاق فجر الإسلام برسالة محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشرقت به الأرض بعد ظلماتها، واجتمعت الأمة بعد شتاتها، وجاء هذا الدين العظيم يحمل للبشرية كل خير، ويبعد عنها كل شر، وحمل لواء الإسلام بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحابته الكرام رضوان الله عليهم، الذين جمعتهم عقيدة التوحيد الصحيحة، ولم تفرق بينهم الأهواء والشبهات، فنشروا الإسلام في أدنى الأرض وأقصاها، حتى أظهره الله على الدين كله، فأخمد به نار الفتن، ودحر به كيد الأعداء، وحطم به أصنام الوثنية، وملأ الأرض رحمة وعدلاً، والقلوب خشية وإيماناً…….

ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ وماذا كان موقف الشيطان وحزبه؟ أعداء الإسلام على اختلاف مللهم، وتمايل مذاهبهم، لقد وقفوا من هذا الدين وهذه العقيدة، ولا زالوا يقفون موقف العدو اللدود، واستخدموا كل ما يملكون ويستطيعون من الوسائل للقضاء على هذه العقيدة، أو فج الناس عنها، أو تشويهها بالنقص منها أو الإحداث فيها، والدس عليها وإلقاء الشبه ضدها، ومع هذا كله فقد انكشف وارتدت سهامهم على نحورهم، وشاهت وجوههم، وماتوا بغيظهم، وبقي هذا الدين -وسيبقى بإذن الله- وبقيت العقيدة الصحيحة، وستبقى بعون الله غضة طرية كما ارتضاها الله، وجاء بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

إخوة الإسلام! وأكبر نعمة أنعمها الله على هذه البلاد المباركة وأهلها، وينبغي أن يحدثوا بها ويشكروها حق شكرها ولا يعرضوها للزوال ما منَّ الله عليهم بتطبيق هذا الدين الحنيف، واتباع العقيدة الصحيحة ولزوم منهج السلف الصالح رحمهم الله، حتى أصبحت هذه البلاد ولله الحمد والمنة مضرب المثل في صفاء العقيدة، وتوفر الأمن والاستقرار، وامتدت آثار هذه النعمة إلى بقاع كثيرة من العالم، كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل أئمة الحكم الأماجد وأئمة الدعوة الأفاضل جزاهم الله عن هذه البلاد وأهلها خير الجزاء وأجزله.

لقد عاشت هذه البلاد المباركة، أحقاباً من الزمن آمنة مطمئنة، يحكم فيها بكتاب الله وسنة رسوله، تقام فيها الحدود الشرعية، يؤمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، سليمة في دينها، صافية في عقيدتها، عريقة في أصالتها، نزيهة في معاملاتها، ولا تزال بحمد الله على ذلك، ونسأل الله لها الثبات على الحق، والمزيد من الفضل، ولكن هذه النعم أثارت كوامن الحاسدين، وشماتة الشامتين، وأقضت مضاجعهم، فلم يكفوا عن حقدهم وزيغهم وضلالهم فحملوا على عقيدة هذه البلاد وأحكامها، وتشريعاتها، وحاولوا تشويهها، والدس فيها وإلقاء الشبه عليها ولكن:

لا يضر البحر أمسى زاخراً إن رمى فيه غلامٌ بحجر

فلا مجال في هذه البلاد لمغيرٍ ومبدلٍ ومحدث، فهي -ولله الحمد- أمة واحدة، دستورها كتاب الله وسنة نبيه، وعقيدتها عقيدة سلف هذه الأمة، لا ترضى بها بديلاً، وقدوتها محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصحابته الكرام، وأتباعهم من القرون المفضلة، فعلى هذا الطريق المستقيم، والحق القويم، سارت وستظل سائرة -إن شاء الله- مهما حاول الأوباش الوقوف في طريقها، والتعرض لأهلها، ويبقى هذا الدين وأهله طوداً شامخاً وحصناً منيعاً لا تصل إليه سهام الأعداء، بل تعود هذه السهام إلى صدور أصحابها خاسئة ذليلة، وتلك سنة الله عز وجل: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].

فاتقوا الله يا أمة الإسلام! حافظوا على دينكم، وتمسكوا بعقيدتكم، والزموا نهج أسلافكم.

فكل خيرٍ في اتباع من سلف وكل شرٍ في ابتداع من خلف

وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40] * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ورزقني الله وإياكم السير على هدي سيد المرسلين، وجنبني وإياكم طرق الضالين، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، إنه هو الغفور الرحيم…….

:الخطبة الثانية:

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفوته من رسله، وخيرته من خلقه، صَلَّى عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعــد:

أيها المسلمون! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، عباد الله اشكروا الله تعالى أن جعلكم مسلمين وحققوا إسلامكم بمحبته والارتباط به، والدعوة إليه والدفاع عنه؛ فإن دينكم وعقيدتكم يلقيان في هذا الزمن حرباً لا هوادة فيها من أعداء الإسلام على اختلاف مبادئهم ومواقعهم، فيجب على كل مسلم أن يثأر لدينه، ويغار على عقيدته، ويدافع عنها مهما كلفه ذلك من جهد، ومهما أصابه في سبيل ذلك من أذىً حسيٍ ومعنوي، وكل مسلم بحسب قدرته وطاقته، ولا يتساهل في ذلك إلا من هانت عنده العقيدة وغره الشيطان فأقعده عن هذا الواجب العظيم وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

ألا وصلوا على الهادي البشير، والسراج المنير كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وبارك على قدوتنا وإمامنا محمد بن عبد الله، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن يخافك ويتقيك، ويتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم مُنَّ على المسلمين جميعاً بصلاح قادتهم وعلمائهم وشبابهم ونسائهم يا رب العالمين، اللهم وفق إمام المسلمين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، وأعلِ به دينَك يا رب العالمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة.

اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين يا رب العالمين.

اللهم وفق المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها إلى ما تحب وترضى يا رب العالمين.

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، والمستضعفين في أرضك، تحت كل سماء وفوق كل أرض، يا رب العالمين.

اللهم احفظ على المسلمين عقيدتهم، اللهم احفظ على المسلمين عقيدتهم، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وإيمانهم يا رب العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]…….

السحر والشعوذة. .. الداء والدواء

:الخطبة الاولى:

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، أحمده تعالى حمداً يتجدد بالعشي والإبكار، وأشكره سبحانه على نعمه الغزار، وأسأله المزيد من فضله المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة وكل شيء عنده بمقدار، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله البررة الأطهار، وصحبه الأئمة الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، صلاة تترى آناء الليل وأطراف النهار، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله! فإن تقواه سبحانه جنة من النار، وسبب لدخول الجنة دار القرار، فاسلكوا رحمكم الله مسالك المتقين الأبرار، واحذروا مسالك الأشرار وطرائق الفجار.

أيها المسلمون! المستقرئ للتأريخ البشري والمتأمل للتراث الإنساني، يجد أن ثمة حقيقة مرة مؤلمة، وهي أن العقول البشرية قد تعرضت لعمليات وأد واغتيال خطيرة عبر حقب طويلة، يتولى كبر أسلحتها خناجر الوهم والخرافة، وألغام الدجل والشعوذة، وتلك لعمر الحق أعتى طعنة تسدد في خاصرة الإنسان العقلية، وقواه الفكرية والمعنوية.

ومن ثم فإن التحرر الحقيقي من أغلال الوهم والخرافة، وآصار الدجل والشعوذة، إنما يمثل السياج المحكم والدرع الواقي والحصن الحصين لحقٍ من أهم حقوق الإنسان، وهو تحصين عقله من الخيالات، وحفظ فكره من الخرافات، ومن هنا كانت أنبل معارك العقيدة، تحرير العقول الإنسانية من كل ما يصادم الفطر، ويصادر الفكر، ويغتال المبادئ والقيم، وهيهات أن تعمر الحياة وتشاد الحضارات بالمشعوذين البله؛ الذين لا يرعون للإنسان كرامة، ولا للعقول حصانة وصيانة.

إخوة العقيدة! لقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فأبطل الله به مسالك الجاهلية، وقضى على معالم الشرك و الوثنية ، فاستأصل شأفتها، واجتث جرثومتها، وفي طليعة ذلك الأوهام والخزعبلات لما تمثله من إزراء بالعقول.

يعمد أحدهم إلى نصب وحجارة، فيعلق بها آماله وآلامه، فيبول عليها الثعلبان فيتركها.

وآخر إلى مجموعة من تمر وطعام، فيجوع فيأكلها، وثالث يتعلق بحروز وتمائم، وخيوط وطلاسم، وكان هناك انتشار لسوق التخرصات والشعوذات، وإلغاء للتفكير وسلب للعقول.

فلما جاء الإسلام بعقيدة التوحيد الخالصة لله، وأشرقت أنوارها في جميع أصقاع المعمورة، حررت القلوب من رق العبودية لغير الله، ورفعت النفوس إلى قمم العز والشرف والصفاء، وسمت بالعقول عن بؤر الوثنية ومستنقعات الخرافة والشقاء، كيف وعقيدة المسلم أعز شيء عليه، وأغلى شيء لديه؛ بها يوجه أعتى التحديات، وبها يصبر على مر الابتلاءات، ويقاوم موجات القلق والأرق والاكتئاب النفسي والاضطرابات، وبها يقيم سداً منيعاً ودرعاً مكيناً أمام زحف الأباطيل والضلالات، وغزو الشعوذة والخرافات؟!

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51] قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر:38].

إخوة الإيمان! لقد نأى الإسلام بأتباعه عن أوهام الجاهلية وأوضارها، وطهر أنفسهم من رجس الوثنية وأباطيلها، وابتعد بهم عن براثن الإسفاف وبؤر الاستخفاف في كل صوره وأنماطه.

ويأتي في الطليعة منها مظاهر السحر والشعوذة والتجهيل، ومعالم الخرافة والدجل والتضليل، بما تمثله من طعنة نافذة في صميم العقيدة، وشرخ خطير في صرح التوحيد الشامخ، وانهيار مزر يسلب القوة، ويذهب العزة، ويجلب الانتكاسة، ويلحق الهزائم، ويقضي على العزائم، ويشكك في الثوابت واليقينيات، ويروج لبضاعة التخرصات والخزعبلات، فيقع الاضطراب في المجتمع، وتحصل الفوضى في الأمة، ويخرق سياج أمنها العقدي، فتغرق سفينتها في مهاوي العدم وبؤر الفناء، وقد قال عز وجل : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]…….

أمة الإسلام! إنه من طول الأمد، وحصول التخلف المشين لدى فئام كثيرة في الأمة، ووقوع أنواع من التغافل والتزييف للحقائق، مع غلبة الجهل الذريع عند كثير من الناس في أعقاب الزمن؛ صحب ذلك تلاعب بالألفاظ وتغيير للمصطلحات، تحت ستار مسميات معسولة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، نتج عن ذلك كله تمرير بعض الصور الشركية، وتسويق بعض الطقوس البدعية.

ولعل مظاهر السحر والشعوذة من أوضح النماذج على هذا التزييف الذي أصاب الأمة في أعز ما تملك من الثوابت والمسلمات، وأغلى ما لديها من المبادئ والمقومات، وهو تمسكها بعقيدتها الإسلامية الصافية من اللوثات الشركية والصور الخرافية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد ليقذف كل يوم بجديد في عالم الخرافة والدجل ونسج الأكاذيب والشعوذات وبث الشائعات والخزعبلات؛ مما يؤكد أهمية حماية جانب الأمن العقدي في الأمة.

فإن سوس الأوهام، وخلايا الإجرام تؤثر سلباً في جوانب شتى من حياة الأمة والمجتمع، وتلك عاقبة وخيمة المراتع، ونتيجة تجعل الديار بلاقع، فما حلت أعمال الشعوذة في قلوب إلا أظلمتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها، ويزداد ذهول أهل التوحيد حينما تجد هذه الأوهام رواجاً لدى كثير من العامة ممن ينساقون وراء الشائعات، ويلغون عقولهم عند جديد الذائعات، ويتهافتون تهافت الفراش على النار على الأوهام، ويستسلمون للأباطيل والأحلام، وحتى أضلت سرادق الشعوذة عقول كثير من أهل الملة والديانة.

ولا تسأل بعد ذلك عما تفعله هذه المسالك المرذولة، في أوساط كثير من الدهماء، وما تحدثه في عقول كثير من السذج والبسطاء؛ فأين الإيمان عباد الله؟! وأين الحجى والعقول السليمة؟! أولسنا نتلو ونؤمن بقول الحق تبارك وتعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107]؟ لكن العجب والعجائب جمة، حينما تلغى العقول والأفكار أمام قول كل دعي مأفون!

إخوة الإسلام! إن تصديق أدعياء علم الغيب، وإتيان السحرة والعارفين، والكهنة والرمالين، والمنجمين والمشعوذين؛ الذين يزعمون -وبئس ما زعموا- الإخبار عن المغيبات، أو أن لهم قوىً خارقةً يستطيعون من خلالها جلب شيء من السعد أو النحس أو الضر أو النفع؛ لهو ضلال عظيم، وإثم مبين، فعلم الغيب مما استأثر الله به وحده سبحانه، وقد قال جل وعلا: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، وإننا اليوم لفي زمان كثر فيه هؤلاء الأدعياء الدجاجلة، لا كثرهم الله! فهم داء خطير وشر مستطير، يقوض سعادة الأفراد واستقرار الأسر، وأمن المجتمعات.

إن أعمال الشعوذة خصلة شيطانية، وخلة إبليسية، ولوثة كفرية، ودسيسة يهودية.

لقد أمر أمرهم، وتعاظم خطرهم، وتطاير شررهم، واستفحل شرهم، فكم من بيوت هدمت، وعلاقات زوجية تصرمت، وحبال مودة تقطعت بسببهم، حسيبهم الله!

فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:10].

قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81] * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [يونس:82].

معاشر المسلمين! إن تعاطي السحر وإتيان السحرة فيه جمع بين الكفر بالله والإضرار بالناس والإفساد في الأرض.

فكم في كثير من المجتمعات من محترفي هذا العفن ممن يعملون ليل نهار لإفساد عقائد الأمة، مقابل مبلغ زهيد يتقاضونه من ضعاف النفوس، وعديمي الضمائر الذين أكل الحسد قلوبهم، فيتفرجون على إخوانهم المسلمين، ويتشفون برؤيتهم وهم يعانون آثار السحر الوخيمة، فلا براحة يهنئون، ولا باستقرار يسعدون، حتى حقق هؤلاء المشعوذون رواجاً كثيراً، وانتشاراً كبيراً…….

فتارة يأتون من باب العلاج الشعبي والتداوي، وأخرى من باب التأليف والمحبة بين الزوجين، وهو ما يسمى بالتولة، وهي أشياء يزعمون أنها تحبب الزوجين لبعضهما، وتارة من باب الانتقام بين الخصمين، ومنها الصرف والعطف، فاستشرى فسادهم؛ حتى علا كثيراً من المتعلمين والمتعبدين، فكم من جنايات حصلت بسبب هؤلاء التعساء، وعداوات زرعت بسبب هؤلاء الأشقياء -عليهم من الله ما يستحقون- متظاهرين للناس بشيء من الخوارق، موهمين السذج بشيء من القُدرة والعلائق، وخسئ أعداء الله، وإن طاروا في الهواء، ومشوا على الماء، وزعموا تحضير الأرواح والتنويم المغناطيسي، ولبسوا على العيون بما يسمونه بطريقة الكف والفنجان وغيرها من الأعمال البهلوانية، فهذا دعي مأفون، يزعم أنه يجر المركبات الثقيلة بأسنانه، وآخر يستلقي فتمر المركبة على بطنه، وآخر يبدل العشرات مئين والآلاف ملايين، فتضيع عقول كثير من الناس ممن يصابون بالهوس المادي.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً } أخرجه مسلم في صحيحه ، وأخرج الحاكم و أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم }، وقد عد المصطفى صلى الله عليه وسلم السحر من السبع الموبقات -أي: المهلكات- كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومن ذلكم -يا عباد الله- التعلق بالنجوم والمطالع، والأبراج والكواكب، فمن ولد في برج كذا، فهو السعيد في حياته، وسيحصل على ما يريد من مال أو جاه أو حظوظ، ومن ولد في برج كذا فهو التعيس المنحوس، وسيحصل له كذا وكذا من الشرور والبلايا، في سردٍ للفضائح وإعلان بالقبائح، لا يقره شرع ولا عقل ولا منطق، وإنك لواجد في بعض الأسواق والمدارس وعند الخدم من ذلك شيئاً عجيباً.

ومن هنا يأتي الواجب العظيم في تكثيف الحصانة العقدية الإيمانية ضد هذه الأعمال الشيطانية، كما أن الواجب القضاء على هذه الفئات الضالة، لما تمثله من خطر على الأمة وإخلال بأمن المجتمع، وإفساد لعقائد الناس، واستهانة بعقولهم، وابتزاز لأموالهم.

روى الترمذي عن جندب مرفوعاً وموقوفاً: {حد الساحر ضربة بالسيف }، وفي حديث بجالة التميمي ، قال: {كتب عمر رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر } أخرجه أحمد و البخاري معلقاً و أبو داود و البيهقي .

وصح عن حفصة رضي الله عنها:{أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت } رواه مالك في الموطأ .

وثبت قتل الساحر عن عدد من الصحابة والتابعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أكثر العلماء على أنه يقتل الساحر، وهو قول أبي حنيفة و مالك و أحمد رحمهم الله، قال ابن قدامة رحمه الله: وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعاً.

كما أن واجب المسلمين جميعاً التكاتف في القضاء على هؤلاء المشعوذين والإبلاغ عنهم، والتعاون مع الجهات الاحتسابية والأمنية في ذلك؛ حتى لا يحل عقد ثوابت الأمة، ويشتتوا لآلئ أمنها ونظامها واستقرارها، ويقضوا على البقية الباقية من تألقها، ومع أن العالم يعيش عصر المدنيات والتقنيات التي يفترض أنها تناوئ الخرافة، وتناقض الشعوذة، وتحارب الدجل؛ فإن الغيور ليأسى حينما تطورت الخرافة بتطور الزمن، ودخلت مجالات شتى في الاقتصاد والاجتماع والإعلام وغيرها، طلباً للحظ بزعمهم؛ بل سخرت بعض وسائل الإعلام وبعض القنوات الفضائية لبثها للتشويش والإثارة، مما يتطلب من أهل العلم والدعوة التركيز على الجانب العقدي في الأمة، وإعزاز جانب الحسبة والإصلاح.

ولئن بدت الصورة قاتمة، نتيجة الجرح العميق الذي نكأته الشعوذات والخرافات في عقول كثير من أبناء الأمة، فإن الأمل كبير في أن يسترجع المسلمون ما فرطوا فيه من أمر عقيدتهم، ويجدوا في إنقاذ التائهين في دروب الباطل والأوهام، إلى شاطئ النجاة وساحل الأمان بإذن الله.

وكان الله في عون العاملين المخلصين لعقيدتهم ومجتمعاتهم وأمتهم، إنه خير مسئول وأكرم مأمول.

أقول قولي هذا، وأسال الله أن يبارك لي ولكم في القرآن، وينفعنا بما فيه من الآيات والهدى والبيان، وأن يرزقنا السير على سنة المصطفى من ولد عدنان.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إنك أنت الغفور الرحيم.

:الخطبة الثانية:

الحمد لله خلق فأمر، وملك فقهر، وكل شيء عنده بقضاء وقدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الشافع المشفع في المحشر، القائل فيما صح عنه: {لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر } صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، ما اتصلت عين بنظر، وأذن بخبر.

أما بعد فاتقوا الله -عباد الله- ففيها الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، واعلموا أن أشد ما ابتليت به النفوس، وأصيبت به المجتمعات، دخول النقص عليها في أعز ما لديها؛ في عقيدتها وثوابتها.

ومن ذلك أعمال السحر والشعوذة، والتطير والتشاؤم، والتعلق بالأوهام من بعض الشهور والليالي والأيام، وذوي العاهات والأمراض والأسقام. والمؤمن الحق يعيش نقي السيرة، صافي السريرة، لا يعرف الوهم إلى نفسه سبيلاً، ولا يجد الهلع عليه مدخلاً وطريقاً.

أيها الإخوة! ومع أن السحر حقيقة واقعة، والمس والتلبس والإصابة بالعين كلها حقائق شرعية وواقعية، إلا أن بعض الناس يعيش حياة الوهم في كافة أموره، فكثيرون هم صرعى الأوهام والوساوس؛ إذا آلم أحدهم صداع، قال: هذا مس، وإذا أصيب بزكام قال: أواه! هذه عين، ومن المقرر أن الابتلاء سنة وتمحيص، والبشر عرضة للأمراض والأسقام…….

إخوة الإسلام! ومع تشخيص الداء، فلا بد من وصف العلاج والدواء، إلا أن الله سبحانه لم يجعل شفاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيما حرم عليها، والتداوي بالرقى المشروعة أو بألوان الطب الحديث أمر مشروع، ولا ينافي التوكل على الله، لكن لا بد من النظر في أهلية المداوي ديناً وعقيدةً واستقامةً وصدقاً وأمانةً.

وحل السحر ودواء العين لا يكون بسحرٍ مثله، وهو ما يعرف بالنشرة، وهي حل السحر عن المسحور، وقد سئل عنها صلى الله عليه وسلم فقال: {هي من عمل الشيطان } أخرجه أحمد و أبو داود بسند جيد.

بل بالأدوية الشرعية، ولا يلزم أن يكون من يرقي معروفاً أو مشهوراً أو ممن اتخذ هذا الأمر حرفة؛ يستدر من خلالها أموال الناس، ويبتز جيوبهم؛ بل القرآن شفاء من كل مرض وداء: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ [فصلت:44] وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82].

فعليكم -رحمكم الله- بالإقبال على القرآن، والبعد عن المعاصي، فلم تكن أعمال الشعوذة لتروج في بعض المجتمعات، لولا ضعف الإيمان لدى كثير من أهل الإسلام، وانتشار المعاصي في كثير من البيوتات والمجتمعات، وعليكم -يا رعاكم الله- بتحصين أنفسكم وأولادكم بالرقى المشروعة والأوراد المأثورة فهي حصن حصين وحرز أمين.

حافظوا على أذكار الصباح والمساء، وأدعية الدخول والخروج والنوم.

أكثروا من قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، فإنها حرز لصاحبها بإذن الله، من كل داء وبلا.

وهاكم رحمكم الله وصفة طبية نبوية هي خير لكم وأمان.

روى أبو داود و الترمذي عن عبد الله بن حبيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء }.

وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات إلا لم يضره شيء }.

الحمد لله الذي ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء، ونسأله تعالى أن يمن على الجميع بالشفاء والعافية من أمراض القلوب والأبدان .. إنه جواد كريم، ونشكره سبحانه أن هيأ في بلاد التوحيد ومؤئل العقيدة ومأرز الإيمان من يصلت الصارم البتار على رقاب هؤلاء السحرة الأشرار، وينفذ حكم الله فيهم، صلاحاً للعباد، وحفظاً لأمن البلاد، وتطهيراً لها من ألوان الشر والفساد.

مهما حاول خفافيش الظلام إسدال الستار وتشويه الحقائق فلن يحجب ضوء الشمس كف دعي مغرض والله المستعان!

ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، والحبيب المرتضى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولاً كريما:ً إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل على نبينا محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصل عليه ما اختلف الليل والنهار، وصل عليه وعلى المهاجرين والأنصار، وارض اللهم عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الملة والدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لاتباع كتابك، وتحكيم سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين.

اللهم إنا نعوذ بك من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة.

اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم قو عزائمهم، وسدد سهامهم وآراءهم.

اللهم عليك باليهود المعتدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من براثن المعتدين، اللهم عاجلاً غير آجل يا قوي يا عزيز.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أعلى وأجل وأكبر، والله يعلم ما تصنعون.

فيديوهات لخطب منبرية للشيخ عبد الرحمن السديس YouTube Video ERROR: If you can see this, then YouTube is down or you don’t have Flash installed. YouTube Video ERROR: If you can see this, then YouTube is down or you don’t have Flash installed. منتديات حياتى – منتدي حياتى 2018خطب اسلامية

الخطب المنبرية - الخطب المنبرية المكتوبة الجديدة 2014

شارك معرفتك مع الأصدقاء

اقرأ ايضا

عرض المزيد